فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (34- 37):

قوله تعالى: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان في ذلك من أقوال عيسى وأحواله- المنادية بالحاجة للتنقل في أطوار غيره من البشر والكرامة من الله- أعظم البيان عن بعده عما ادعى فيه النصارى من الإلهية واليهود من أنه لغير رشده، نبه على ذلك مشيرًا إليه بأداة البعد فقال مبتدئًا: {ذلك} أي الولد العظيم الشأن، العلي الرتبة، الذي هذه أحواله وأقواله البعيدة عن صفة الإله وصفة من ارتاب في أمره؛ ثم بين اسم الإشارة أو أخبر فقال: {عيسى ابن مريم} أي وحدها ليس لغيرها فيه بنوة أصلًا، وهي من أولاد آدم، فهو كذلك؛ ثم عظم هذا البيان تعظيمًا آخر فقال: {قول} أي هو- أي نسبته إلى مريم فقط- قول {الحق} أي الذي يطابقه الواقع، أو يكون القول عيسى نفسه كما أطلق عليه في غير هذا الموضع {كلمة} من تسمية المسبب باسم السبب وهو على هذه القراءة خبر بعد خبر أو بدل أو خبر مبتدأ محذوف، وعلى قراءة عاصم وابن عامر بالنصب، هو اغراء، أي الزموا ذلك وهو نسبته إلى مريم عليهما السلام وحدها ثم عجب من ضلالهم فيه بقوله: {الذي فيه يمترون} أي يشكون شكًا يتكلفونه ويجادلونه به مع أن أمره في غاية الوضوح، ليس موضعًا للشك أصلًا؛ ثم دل على كونه حقًا في كونه ابن مريم لا غيرها بقوله ردًا على من ضل: {ما كان} أي ما صح ولا تأتي ولا تصور في العقول ولا يصح ولا يتأتى لأنه من المحال لكونه يلزم منه الحاجة {لله} الغني عن كل شيء {إن يتخذ} ولما كان المقام يقتضي النفي العام، أكده ب {من} فقال: {من ولد}.
ولما كان اتخاذ الولد من النقائص، أشار إلى ذلك بالتنزيه العام بقوله: {سبحانه} أي تنزه عن كل نقص من احتياج إلى ولد أو غيره ثم علل ذلك بقوله: {إذا قضى أمرًا} أي أمر كان {فإنما يقول له كن} أي يريده ويعلق قدرته به {فيكون} من غير حاجة إلى شيء أصلًا، فكيف ينسب إلى الاحتياج إلى الإحبال والإيلاد والتربية شيئًا فشيئًا كما أشار إليه الاتخاذ.
ولما كان لسان الحال ناطقًا عن عيسى عليه الصلاة والسلام بأن يقول: وقد قضاني الله فكنت كما أراد، فأنا عبد الله ورسوله فاعتقدوا ذلك ولا تعتقدوا سواه من الأباطيل، عطف عليه في قراءة الحرميين وأبي عمرو قوله: {وإن الله} أي الذي له الأمر كله {ربي وربكم} أي أحسن إلى كل منا بالخلق والرزق، لا فرق بيننا في أصل ذلك {فاعبدوه} وحده لتفرده بالإحسان كما أعبده، وقراءة الباقين بالكسر على أنه مقول عيسى عليه السلام الماضي، ويكون اعتراض ما تقدم من كلام الله بينهما للتأكيد والاهتمام.
ولما كان اشتراك الخلائق في عبادة الخالق بعمل القلب والجوارح علمًا وعملًا أعدل الأشياء، أشار إلى ذلك بقوله: {هذا} أي الذي أمرتكم به {صراط مستقيم} لأنا بذلنا الحق لأهله بالاعتقاد الحق والعمل الصالح، ولم يتفضل أحد منا فيه على صاحبه.
ولما كان المنهج القويم بحيث يكون سببًا للاجتماع عند كل صحيح المزاج، عجب منهم في استثمار غير ذلك منه فقال: {فاختلف} أي فتسبب عن هذا السبب للاجتماع أنه اختلف {الأحزاب} الكثيرون.
ولما كان الاختلاف لم يعم جميع المسائل التي في شرعهم قال: {من بينهم} أي بني إسرائيل المخاطبين بذلك خاصة لم تكن فيهم فرقة من غيرهم في هذه المقالة القويمة التي لا تنبغي لمن له أدنى مسكة أن يتوقف في قبولها، فمنهم من أعلم أنها الحق فاتبعها ولم يحد عن صوابها، ومنهم من أبعد في الضلال عنها بشبه لا شيء أو هي منها؛ روي عن قتادة أنه اجتمع من أحبار بني إسرائيل أربعة: يعقوب ونسطور وملكا وإسرائيل، فقال يعقوب: عيسى هو الله نزل إلى الأرض فكذبه الثلاثة واتبعه اليعقوبية، وقال نسطور: عيسى ابن الله فكذبه الاثنان واتبعه النسطورية، وقال ملكًا: عيسى أحد ثلاثة: الله إله، ومريم إله، وعيسى إله، فكذبه الرابع واتبعه طائفة، وقال إسرائيل: عيسى عبد الله كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فاتبعه فريق من بني إسرائيل، ثم اقتتل الأربعة فغلب المؤمنون وقتلوا وظهرت اليعقوبية على الجميع- ذكر معناه أبو حيان وابن كثير ورواه عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة {فويل} أي فتسبب عن اختلافهم أنا نقول: ويل {للذين كفروا} منهم ومن غيرهم {من مشهد يوم عظيم} في جمعه لجميع الخلائق، وما فيه من الأهوال والقوارع. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)}.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ عاصم وابن عامر: {قَوْلَ الحق} بالنصب وعن ابن مسعود: {قَالَ الحق} و{قَالَ الله} وعن الحسن: {قَوْلَ الحق} بضم القاف وكذلك في الأنعام قوله: {الحق} والقول والقال القول في معنى واحد كالرهب والرهب والرهب، أما ارتفاعه فعلى أنه خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف، وأما انتصابه فعلى المدح إن فسر بكلمة الله أو على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة كقولك هو عند الله الحق لا الباطل، والله أعلم.
المسألة الثانية:
لا شبهة أن المراد بقوله: {ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ} الإشارة إلى ما تقدم وهو قوله: {إِنّى عَبْدُ الله ءاتَانِىَ الكتاب} [مريم: 30] أي ذلك الموصوف بهذه الصفات هو عيسى ابن مريم وفي قوله: {عِيسَى ابن مَرْيَمَ} إشارة إلى أنه ولد هذه المرأة وابنها لا أنه ابن الله.
فأما قوله: {الحق} ففيه وجوه: أحدها: وهو أن نفس عيسى عليه السلام هو قول الحق وذلك لأن الحق هو اسم الله فلا فرق بين أن نقول عيسى كلمة الله وبين أن نقول عيسى قول الحق.
وثانيها: أن يكون المراد: (ذلك عيسى ابن مريم القول الحق) إلا أنك أضفت الموصوف إلى الصفة فهو كقوله: {إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقين} [الواقعة: 95] وفائدة قولك: القول الحق تأكيد ما ذكرت أولًا من كون عيسى عليه السلام ابنًا لمريم.
وثالثها: أن يكون {قَوْلَ الحق} خبرًا لمبتدأ محذوف كأنه قيل ذلك عيسى ابن مريم ووصفنا له هو قول الحق فكأنه تعالى وصفه أولًا ثم ذكر أن هذا الموصوف هو عيسى ابن مريم ثم ذكر أن هذا الوصف أجمع هو قول الحق على معنى أنه ثابت لا يجوز أن يبطل كما بطل ما يقع منهم من المرية ويكون في معنى إن هذا لهو الحق اليقين.
فأما امتراؤهم في عيسى عليه السلام فالمذاهب التي حكيناها من قول اليهود والنصارى وقد تقدم ذكر ذلك في سورة آل عمران، روي أن عيسى عليه السلام لما رفع حضر أربعة من أكابرهم وعلمائهم فقيل للأول ما تقول في عيسى؟ فقال: هو إله والله إله وأمه إله، فتابعه على ذلك ناس وهم الإسرائيلية، وقيل للرابع ما تقول؟ فقال: هو عبد الله ورسوله وهو المؤمن المسلم، وقال أما تعلمون أن عيسى كان يطعم وينام وأن الله تعالى لا يجوز عليه ذلك؟ فخصمهم.
أما قوله: {مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ} فهو يحتمل أمرين: أحدهما: أن ثبوت الولد له محال فقولنا: {مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ} كقوله ما كان لله أن يقول لأحد إنه ولدي لأن هذا الخبر كذب والكذب لا يليق بحكمة الله تعالى وكماله فقوله: {مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ} كقولنا: ما كان لله أن يظلم أي لا يليق ذلك بحكمته وكمال إلهيته، واحتج الجبائي بالآية بناء على هذا التفسير أنه ليس لله أن يفعل كل شيء لأنه تعالى صرح بأنه ليس له هذا الإيجاد أي ليس له هذا الاختيار وأجاب أصحابنا عنه بأنه الكذب محال على الله تعالى فلا جرم قال: {مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ} أما قوله: {سبحانه إِذَا قضى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
أنه تعالى لما قال: {سبحانه} ثم قال عقيبه: {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} كان كالحجة على تنزيهه عن الولد وبيان ذلك أن الذي يجعل ولدًا لله، إما أن يكون قديمًا أزليًا أو يكون محدثًا فإن كان أزليًا فهو محال لأنه لو كان واجبًا لذاته لكان واجب الوجود أكثر من واحد.
هذا خلف.
وإن كان ممكنًا لذاته كان مفتقرًا في وجوده إلى الواجب لذاته غنيًا لذاته فيكون الممكن محتاجًا لذاته فيكون عبدًا له لأنه لا معنى للعبودية إلا ذلك، وأما إن كان الذي يجعل ولدًا يكون محدثًا فيكون وجوده بعد عدمه بخلق ذلك القديم وإيجاده وهو المراد من قوله: {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} فيكون عبدًا له لا ولدًا له فثبت أنه يستحيل أن يكون لله ولد.
المسألة الثانية:
احتج الأصحاب بقوله: {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} على قدم كلام الله تعالى قالوا: لأن الآية تدل على أنه تعالى إذا أراد إحداث شيء قال له: كن فيكون فلو كان قوله كن محدثًا لافتقر حدوثه إلى قول آخر ولزم التسلسل وهو محال، فثبت أن قول الله قديم لا محدث، واحتج المعتزلة بالآية على حدوث كلام الله تعالى من وجوه: أحدها: أنه تعالى أدخل عليه كلمة إذا وهذه الكلمة دالة على الاستقبال فوجب أن لا يحصل القول إلا في الاستقبال.
وثانيها: أن حرف الفاء للتعقيب والفاء في قوله: {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ} يدل على تأخر ذلك القول عن ذلك القضاء والمتأخر عن غيره محدث.
وثالثها: الفاء في قوله: {فَيَكُونُ} يدل على حصول ذلك الشيء عقيب ذلك القول من غير فصل فيكون قول الله متقدمًا على حدوث الحادث تقدمًا بلا فصل والمتقدم على المحدث تقدمًا بلا فصل يكون محدثًا، فقول الله محدث.
واعلم أن استدلال الفريقين ضعيف، أما استدلال الأصحاب فلأنه يقتضي أن يكون قوله: {كُنَّ} قديمًا وذلك باطل بالاتفاق، وأما استدلال المعتزلة فلأنه يقتضي أن يكون قول الله تعالى هو المركب من الحروف والأصوات وهو محدث وذلك لا نزاع فيه إنما المدعي قدم شيء آخر.
المسألة الثالثة:
من الناس من أجرى الآية على ظاهرها فزعم أنه تعالى إذا أحدث شيئًا قال له كن وهذا ضعيف لأنه، إما أن يقول له كن قبل حدوثه أو حال حدوثه.
فإن كان الأول كان ذلك خطابًا مع المعدوم وهو عبث وإن كان الثاني فهو حال حدوثه قد وجد بالقدرة والإرادة فأي تأثير لقوله كن فيه، ومن الناس من زعم أن المراد من قوله: {كُنَّ} هو الخليق والتكوين وذلك لأن القدرة على الشيء غير وتكوين الشيء غير فإن الله سبحانه قادر في الأزل وغير مكون في الأزل، ولأنه الآن قادر على عوالم سوى هذا العالم وغير مكون لها، والقادرية غير المكونية والتكوين ليس هو نفس المكون لأنا نقول المكون إنما حدث لأن الله تعالى كونه فأوجده، فلو كان التكوين نفس المكون لكان قولنا المكون إنما وجد بتكوين الله تعالى نازلًا منزلة قولنا المكون إنما وجد بنفسه وذلك محال، فثبت أن التكوين غير المكون فقوله: {كُنَّ} إشارة إلى الصفة المسماة بالتكوين، وقال آخرون قوله: {كُنَّ} عبارة عن نفاذ قدرة الله تعالى ومشيئته في الممكنات.
فإن وقوعها بتلك القدرة والإرادة من غير امتناع واندفاع يجري مجرى العبد المطيع المسخر المنقاد لأوامر مولاه، فعبر الله تعالى عن ذلك المعنى بهذه العبارة على سبيل الاستعارة.
{وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)}.
اعلم أن قوله: {وَإِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه}.
فيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ المدنيون وأبو عمرو بفتح أن، ومعناه ولأنه ربي وربكم فاعبدوه، وقرأ الكوفيون وأبو عبيدة بالكسر على الابتداء، وفي حرف أبي {إِنَّ الله} بالكسر من غير واو أي بسبب ذلك فاعبدوه.
المسألة الثانية:
أنه لا يصح أن يقول الله: {وَإِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه} فلابد وأن يكون قائل هذا غير الله تعالى، وفيه قولان: الأول: التقدير فقل يا محمد إن الله ربي وربكم بعد إظهار البراهين الباهرة في أن عيسى هو عبد الله.
الثاني: قال أبو مسلم الأصفهاني: الواو في وإن الله عطف على قول عيسى عليه السلام: {إِنّى عَبْدُ الله ءاتَانِىَ الكتاب} [مريم: 30] كأنه قال: إني عبد الله وإنه ربي وربكم فاعبدوه، وقال وهب بن منبه عهد إليهم حين أخبرهم عن بعثه ومولده ونعته أن الله ربي وربكم أي كلنا عبيد الله تعالى.
المسألة الثالثة:
قوله: {وَإِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ} يدل على أن مدبر الناس ومصلح أمورهم هو الله تعالى على خلاف قول المنجمين إن مدبر الناس ومصلح أمورهم في السعادة والشقاوة هي الكواكب ويدل أيضًا على أن الإله واحد لأن لفظ الله اسم علم له سبحانه فلما قال: {إِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ} أي لا رب للمخلوقات سوى الله تعالى وذلك يدل على التوحيد، أما قوله: {فاعبدوه} فقد ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بالعلية فههنا الأمر بالعبادة وقع مرتبًا على ذكر وصف الربوبية فدل على أنه إنما تلزمنا عبادته سبحانه لكونه ربًا لنا، وذلك يدل على أنه تعالى إنما تجب عبادته لكونه منعمًا على الخلائق بأصول النعم وفروعها، ولذلك فإن إبراهيم عليه السلام لما منع أباه من عبادة الأوثان قال: {لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئًا} يعني أنها لما لم تكن منعمة على العباد لم تجز عبادتها، وبهذه الآية ثبت أن الله تعالى لما كان ربًا ومربيًا لعباده وجب عبادته، فقد ثبت طردًا وعكسًا تعلق العبادة بكون المعبود منعمًا، أما قوله: {هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ} يعني القول بالتوحيد ونفي الولد والصاحبة صراط مستقيم وأنه سمي هذا القول بالصراط المستقيم تشبيهًا بالطريق لأنه المؤدي إلى الجنة، أما قوله تعالى: {فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ} ففي الأحزاب أقوال: الأول: المراد فرق النصارى على ما بينا أقسامهم.
الثاني: المراد النصارى واليهود فجعله بعضهم ولدًا وبعضهم كذابًا.
الثالث: المراد الكفار الداخل فيهم اليهود والنصارى والكفار الذين كانوا في زمن محمد صلى الله عليه وسلم وإذا قلنا المراد بقوله: {وَإِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه} أي قل يا محمد إن الله ربي وربكم، فهذا القول أظهر لأنه لا تخصيص فيه، وكذا قوله: {فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ} مؤكد لهذا الاحتمال، وأما قوله: {مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} فالمشهد إما أن يكون هو الشهود وما يتعلق به أو الشهادة وما يتعلق بها.
أما الأول: فيحتمل أن يكون المراد من المشهد نفس شهودهم هول الحساب، والجزاء في القيامة أو مكان الشهود فيه وهو الموقف، أو وقت الشهود، وأما الشهادة فيحتمل أن يكون المراد شهادة الملائكة والأنبياء وشهادة ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بالكفر وسوء الأعمال، وأن يكون مكان الشهادة أو وقتها، وقيل: هو ما قالوه وشهدوا به في عيسى وأمه، وإنما وصف ذلك المشهد بأنه عظيم لأنه لا شيء أعظم مما يشاهد في ذلك اليوم من محاسبة ومساءلة، ولا شيء من المنافع أعظم مما هنالك من الثواب ولابد من المضار أعظم مما هنالك من العقاب. اهـ.